طال ترددى على ذلك المقهى الشهير بالحى الأشهر للقاء من لم يكن هناك بد من لقائهم كنت أذهب مبكرا كعادتى ,,وكانوا دائما ما يتأخرون ..أتاح لى ذلك أن ارقب الجالسين فى أماكنهم التى لا تتبدل ....نفس الوجوه .. يوما بعد يوم
كان مقعده فى الزاوية البعيدة من المقهى .. كانت ملامحه البائسة ..ووجهه المغضن ..وبقايا السيجارة فى فمه ..وكوب الشاى أمامه ..هى ما ألمحه كلما دخلت ..لا يبدو على ملامحه الاهتمام بما يدور حوله..كمن يعيش فى كون خاص به وحده .. إلا حينما يقترب منه أحدهم .. يجلس اليه .. يهمس ببعض كلمات مقتضبة .. يخرج من حافظته بعضا من أوراق النقد .. يدفعها للرجل .. يضعها ببطء فى جيب سترته .. ثمن ينطلق متحدثا لبرهة .. يغرق بعدها القادم فى نوبة من الضحك المتواصل لا يشاركه الرجل فيها .. ينتهى اللقاء بخروج الزائر ..ويبقى رجلنا فى مكانه وعلى وجهه نفس النظرة الغير مبالية بما يدور حوله...
دفعنى الفضول لمعرفة قصة الرجل أن دفعت للنادل مبلغا سخيا من المال ذات مرة وأنا اهم بالمغادرة وسألته وأنا أبدى عدم الاهتمام عن سر ذلك الرجل .. فذكر لى انه اشهر من يبيع النكات لمن يطلبها من الفنانين ليستخدموها فى عروضهم .. وانه هو من يقوم بتأليفها بنفسه منذ زمن طويل .. ولما قلت له انى لم اره ضاحكا أبدا .. قال النادل ولن تراه ..فطوال أعوام عملت بها هنا .. لم المح شبح ابتسامه على وجهه ذات يوم ..انصرفت متعجبا ..وانقطعت صلتى بالمقهى وبالحى بعد ان انتهى سبب ذهابى الى هناك...
ولكنى قابلته مرة أخرى بعد فترة ..
كنت أشارك فى جنازة أحد الأقارب ..وحين دخلت المقبرة ..رأيته هناك .. يعمل بنشاط فى اعداد القبر لصاحبه ..أخذتنى الدهشة .. ظللت أراقبه حتى انتهت المراسم اقتربت منه وهمهمت بكلمات خجلة .. الست ؟؟.. المقهى... هناك ..!! نظر الى الرجل وقال وابتسامه عريضة تملأ وجهه وهو يقول ..أكل عيش يا سيدنا .. أكل عيش
..