كانت تهب الشعوب وحكامها قديمًا، عند انطلاق نفير القومية العربية والإسلامية، فالعقائد الوطنية المتماسكة كانت ثابتة ولا يستطيع أحد زعزعتها، لهذا كان العدو الصهيوني يعيش فى قلق مستمر ودائم، من ترابط الدول العربية والإسلامية، التي أصبح منهاجها الحكم وكرسي الإدارة فيما بعد، وهنا برز الدور الأمريكي والصهيوني، ثم جاء الروسي من بعده، لتتحكم تلك الدول فى مصالح الجيران، التي لا تخصهم بالأساس، ولكن حكامنا لا يفهمون ذلك، أو يحاولون التغاضي عنه.
ولنا فى نتائج زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى موسكو والتي انتهت أمس السبت، خير مثال على ذلك، فعدو الكيان الصهيوني وأمريكا أصبح عدو المملكة أيضًا، بالإضافة إلي أن كل من يدعم الإسلاميين بات عدوًا أكبر من أوهام "الشيعة والسنة" التي لم تعد تجدي نفعًا الآن، وباتو بتحدثون عن مخططات أكبر، كاحتلال إيران لسوريا، وسيطرة قطر علي الجماعات المسلحة، من أجل زعزعة ما أسموه استقرار الدول العربية بل والعالم، وهو ما ثبت عكسه تمامًا وظهرت النوايا الخبيثة للدول العربية والإسلامية والتي يأتي على رأسها السعودية التي كان مرجو منها الدعوة إلي ترابط الأمة بأكملها من أجل تحرير فلسطين وسوريا وليبيا من الانتهاكات الغربية وعمليات الإبادة التي تتم بحق الشعوب هناك.
ولكم فى سوريا ما "تشتهون"
كان واضحًا منذ إعلان الزيارة الشهر الماضي، أن المملكة مستعدة للتنازل عن موقفها تجاه روسيا فى سوريا، والذي كان يقضي بخروج الرئيس السوري الحالي بشار الأسد من المعادلة، وهو ما كان واتضح فى التصريحات المتتالية للخارجية السعودية خلال الأشهر الستة الأخيرة، والتي لم تدخر جهدًا فى الهجوم على إيران ومن بعدها قطر، وتم التوقف عن طرح الملف السوري، وكأن الدفاع كان لشئ ما وليس عن الشعب السوري، ولكن على أى حال التنازل فى هذا الشأن لم يأتي بسبب تعنت روسيا التي ترتكب مجازر بشعة بدورها فى سوريا، ولكن من أجل مبادلة القضايا "نترك لكم الشان السوري" وترفعون أيديكم عن دعم إيران التي تتقارب كثيرًا مع تركيا، هذا بجانب مطالتهم بدعم دولي فى موقفهم تجاه قطر.
كل هذا وأكثر تناوله الإعلام الروسي طوال فترة الزيارة والكشف عن طبيعة القاءات، التي أكدوا فيها أن السعودية تحاول سحب الجانب الروسي لصالحها بتقديم كل التنازلات التي يريدها الروس بجانب اتفاقيات اقتصادية ضخمة تتم بين الطرفين، ولكن لم يأتي الرد الروسي حتي اللحظة فى هذا الشأن، على الرغم من أنها يدركون أنهم الطرف الأقوي بعد فشل المملكة والأمريكان والصهاينة فى تنفيذ مخططهم بسوريا.
ونستنتج من ذلك أن أحد أسباب الزيارة كان عرضًا من الجانب السعودي لنظيرة الروسي بإن روسيا باتت لهم، على الرغم من أن موسكو قد فرضت ذلك عليهم.
إيران.. المحور الثاني فى الزيارة
وفي هذا السياق، أكدت عدد من الصحف الروسية فى طباعتها التي تم بيعها فى شوارع موسكو، اليوم الأحد، بإن إيران كانت سبب رئيسي آخر فى لزيارة العاهل السعودي إلى موسكو، حيث أكد الأكاديمي المختص بشؤون الشرق الأوسط، غريجوري كوساتش، الذي أعرب عن ثقته بأن المباحثات بين القيادتين الروسية والسعودية تناولت حتما لاعبا إقليميا ثالثا، هو إيران.
وقال "كوساتش" إن "السعودية تسعى في المقام الأول لتحجيم العلاقات بين روسيا وإيران إلى أقل مما هي عليه حاليا؛ وذلك لأن إيران هي العدو الاستراتيجي للسعودية في منطقة الشرق الأوسط. بيد أن الرياض في نهجها مع موسكو، اختارت تكتيكا واقعيا".
وتابع: "الآن، تسعى السعودية لتوسيع التعاون الاقتصادي مع روسيا، وتحويل هذا التعاون إلى قاعدة متينة تترك أثرها في التقليل من التناقضات السياسية، وتخفيف حدتها، وبالتالي إحالتها إلى المشهد الخلفي".
وكشف أنه "في الوقت الراهن، يتحدث السعوديون عن إمكانات عديدة لتطوير العلاقة مع روسيا، بما في ذلك الاستثمار المالي في قطاعات مختلفة من الاقتصاد الروسي، في مجالات النفط وبناء الطرق، وحتى شراء الأسلحة العسكرية الروسية، وغير ذلك".
نشتري ما لا نحتاجه من سلاحكم !!
وقال: "تدور مفاوضات بين الجانبين منذ فترة طويلة حول توريد الأسلحة الروسية إلى السعودية. ومن الواضح أن الجيش السعودي يوجد لديه ما يكفي من الأسلحة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وليس من داع لإعادة تسليحه، وعلاقة السعودية مع الولايات المتحدة تبقى حجر الزاوية في السياسة السعودية الخارجية. إذن، لماذا يطلب السعوديون الأسلحة الروسية؟ هم يقولون: "سوف تحصلون على المال"، ويقولون أيضا إن "أهم شيء هو ألا توردوا الأسلحة إلى إيران، ونحن سوف نشتري ما توردونه إلى هناك، وسوف نستخدمه" كما يقولون!.
وأشار إلى وجود تناقضات سياسية بين المملكة السعودية وروسيا، وجرت محاولات من قبلنا للتدخل في الشأن اليمني الداخلي، كما نادى بعضٌ منا بضرورة الوقوف إلى جانب قطر في أزمة الخليج الحالية، ولكن هذا لم يحصل، وبقي موقفنا محايدا.